فري فاير: هل يحتاج عالمنا إلى ترسيخ ثقافة القتل من أجل البقاء؟
خلال السنوات القليلة الماضية، لا تكاد الفضاءات العامة والخاصة في تونس تخلو من مشهد تجمّع عدد من المراهقين أو الشبان حول شاشات هواتفهم الذكية وسط أصوات أزيز الرصاص، مستعملين كل كلمات معاجم الحرب من أجل الوصول إلى هدف مشترك.
وعندما يتحول هذا المشهد إلى حدث متكرّر يمكن ملاحظته، فإنه يصبح الحديث عن ظاهرة وجب تناولها من مداخل عديدة ومتنوعة، ذلك ما حاولت موزاييك رصده من خلال تصريحات مختلفة لرواد عالم لعبة "فري فاير" ولمنتقديها.
و''الفري فاير'' التي خرجت من مخابر الألعاب الإلكترونية في جنوب شرق آسيا وتايوان بداية شهر ديسمبر 2017، نموذج للعبة منظور الشخص الثالث التي تمثل إحدى تجليات نظام ثلاثي الأبعاد 3D.
وقد سجلت حوالي 200 مليون عملية تنزيل في عام 2018 مما جعلها إحدى أكثر لعب الجوال والحاسوب انتشارا في العالم، وفي تونس من مختلف الشرائح العمرية.
في "فري فاير" يجد "المحارب" نفسه في بداية المواجهة داخل طائرة مع خمسين لاعبا. وحال نزوله منها ينطلق في رحلة البحث عن الأسلحة، التي تحمل أوصافا وأسماء حقيقية، وخلال مهمة البحث يلتقي بمنافسين وجب عليه القضاء عليهم لكي يبقى على قيد الحياة وليتمكن من مواصلة اللعب. ويتطور مستوى المقاتل حسب النقاط التي يتحصل عليها بعد الفوز ليبلغ مستويات عالية في اللعبة.
"الفري فاير هي تطبيقة تجسّد هروبي من عالمي المليء بالروتين نحو عالم آخر أصنعه بنفسي وأتنافس فيه مع أصدقائي الافتراضيين القدماء والجدد"، هذا ما يقوله أحمد 25 سنة، عاطل عن العمل.
ولا يرى أحمد أنه يعاني من إدمان الفري فاير، عكس عدد من مستخدميها، فهو امتنع عن لعبها لما كان يشتغل ليعود إليها بعد انقطاعه عن العمل .
ولئن مثّل عالم الألعاب الإلكترونية في بداية الثورة التكنولوجية والمعلوماتية الكونية عالما ذكوريا صرفا، فإن النساء أيضا اقتحمن وبقوة عالم الفري فاير.
وتقول سماح 24 سنة، لموزاييك حول تجربتها مع هذه اللعبة الإلكترونية: " يخالج المرأة شعور سريالي عندما تتفوق على أبطال لعبة الفري فاير، وقد أشتري ملابس وأسلحة للشخصية التي أخوض بها الحروب في اللعبة ولا اشتري ثيابا لنفسي أحيانا".
هي ترى أنها تعرفت على عديد الأشخاص من مختلف الدول العربية عبر هذا العالم الجديد، ونسجت معهم علاقات صداقة متينة تُرجمت أحيانا إلى تقارب ولقاءات في الحياة اليومية.
وتعتبر سماح أنّ المرأة تحتاج إلى ملاذ تلجأ إليه من الروتين اليومي لتبرز فيه مواهبها في القتال والإستراتيجية وإن كان افتراضيين.
وتقول مخاطبتنا إن المنافسة على أشدها بين المرأة المغاربية والمرأة الخليجية في هذا المجال الذي سمح بإنشاء مجموعات افتراضية وعلى موقع اليوتوب مختص بقواعد "فري فاير" والأرقام التي حققها أفضل مستعملي اللعبة.
إلا أنّ النقاط الإيجابية للفري فاير، التي عدّدها مخاطبانا، لا تحجب سلبياتها المتمثلة في عدم احترام الفضاء العام المشترك من قبل عدد من مستخدمي هذه اللعبة وتخوّف عدد من العائلات من إدمان أبنائها عليها، إضافة إلى موجات الهستيريا التي يواجهونها في تفاعل عدد من رواد اللعبة مع انتصارات أو خسائر افتراضية وصلت حدّ تحطيم بعضهم لحواسيبهم وهواتفهم الجوالة فرضوا على عائلاتهم توفيرها، وفق عدد من الشهادات التي تحصلت عليها موزاييك.
مبالغ مالية إضافية تصرف على تجهيز الشخصيات التي يفوز بها رواد "الفري فاير" بطرق غير شرعية وغير منظمة لعدم توفر بطاقات الشحن التي تخول للمستهلكين في العالم الرقمي اقتناء ما يستحقونه على الشبكة العنكبوتية والتجارة الإلكترونية.
وتحمّل رابعة، وهي مربية في مدرسة إعدادية، مسؤولية العنف غير المسبوق بالمؤسسات التربوية للعبة فري فاير، قائلة " تُسمع كلمة هجوم بشكل يومي في محيط المؤسسة التربوية، وسرعان ما يتأثّر الأطفال بما يعيشونه في فضاء افتراضي لا يخضع للمراقبة".
وتفرض شروط لعب الفري فاير أن يكون المستخدم قد تجاوز سن السادسة عشر، لكن هذه الشروط لا تطبق في تونس في أغلب الأحيان. وهو ما تتحمل مسؤوليته الشركة المنتجة التي يجب عليها مزيد التدقيق في فئة عمرية تفتقد للوعي المجتمعي. كما أن للعائلة مسؤولية مراقبة أبنائها قبل "سقوطهم" في إدمان قد تكون نتائجه وخيمة عليهم وعلى المجتمع ككل.
قد تساعد "فري فاير" على الترفيه أو قد تساهم في نسج علاقات جدية توجت بالزواج في بعض الحالات، إلا أنها توغل أيضا في جعل "الإنسان ذئبا لأخيه الإنسان" بنشر مزيدا من العنف وحتى الكراهية في عصر غلبت عليه الحروب وأنهكته.
فهل يحتاج عالمنا الجريح هذا إلى قانون لعبة كنهها ترسيخ ثقافة القتل "من أجل البقاء"، خصوصا لدى الفئات الهشّة مثل الأطفال ؟
*برهان اليحياوي*